منظمة الا مم المتحدة للتربية والعلم والثقافة التسامح كلمات

Transcript

1 من األقوال إلى األفعال منظمة الا مم المتحدة للتربية والعلم والثقافة التسامح كلمات في

2 مديرة النرش: كاترينا ستينو رئيسة القسم. قسم التعددية الثقافية اليونسكو. املنسق العلمي: األستاذ بول سيبلو. جامعة بول فالريي مونبلييه الثالثة. إن التسميات املستخدمة يف هذا املطبوع وطريقة عرض املواد فيه ال تعب بالرضورة عن أي رأي لليونسكو بشأن الوضع القانوني ألي بلد أو إقليم أو مدينة أو منطقة وال بشأن سلطات هذه األماكن أو رسم حدودها أو تخومها. كما أن األفكار واآلراء املذكورة يف هذا العمل تخص املؤلفني وال تعب بالرضورة عن وجهات نظر اليونسكو. وقد أضافت هيئة التحرير العناوين الرئيسية والعناوين الفرعية. ويندرج هذا املطبوع الذي يجري نرشه بمبادرة من شعبة الهويات الثقافية والتبادل بني الثقافات يف نطاق متابعة السنة الدولية للتسامح )١٩٩٥(. براكسيلنغ )Praxiling( الوحدة الخاصة ببحوث التعليم العايل واملنتسبة إىل املركز الوطني الفرنيس للبحوث العلمية واملعنية بموضوع الخطاب والنص وإنتاج املعنى. جامعة بول فالريي- مونبلييه الثالثة يف فرنسا: Université Paul Valéry, Montpellier Cedex 5 (France). الطباعة الحاسوبية والتنضيد: ATRESA, 46, rue Albert Luthuli Montpellier (France), نرشت هذا املطبوع منظمة األمم املتحدة للرتبية والعلم والثقافة يف عام , place de Fontenoy, Paris 07 SP (France) اليونسكو.1997 اعيد طباعته من طرف اليونسكو ٢٠١٤ SHS-2014/WS/7

3 من األقوال إلى األفعال التسامح كلمات في تنسيق بول سيبلو اليونسكو - براكسيلنغ

4 كلمات التسامح في كلمات جدول املحتويات توطئة فيديريكو مايور التقديم بول سيبلو املشاركون 11 اللغة املرصية القديمة التسامح الديني والتشدد الوطني سيدني أوفرير اللغة العربية التسامح أو التساكن ميشيل إيكهارد إليال اللغة اليونانية القديمة نزع القدسية والتعددية الدينية واملطلق التوحيدي ماري-بول ماسون وفانا نيكواليدو-كرييانيدو وستافروس برينديتيس اللغة الالتينية هل كان الرومان متسامحني ميشيل غريف املجال الروماني عائالت اللغات وعائالت الكلمات جاك بريس اللغة األوكسيتانية هل كانت أوكسيتانيا واألندلس يمثالن عرصين ذهبيني»للعيش معا «جريارد غويران اللغة اإلسبانية tolerancia أو التسامح الذي ال يمكن تحمله سويف سارازان اللغة الكتالونية التسامح والتعصب يف التاريخ كريستيان كامبس اللغة الربتغالية التأرجح بني مفاهيم متعاكسة فرانسيس أوتيزا اللغة الفرنسية إيديولوجيا عرص التنوير كاترين ديرتي وكلود لورويول اللغة اإليطالية استحداث مفردات جديدة ووضعها يف االستخدام برونو مورير اللغة اإلنجليزية االجتهاد القضائي والترشيع كريستني بيال وغربييل كالوري اللغة الروسية الصولجان وم ر ش املاء املقدس إيرين كهويت

5 التسامح في اللغة الفنلندية الت ح م ل أم االنفتاح أم الرغبة رايمو يوسيال اللغة البلغارية فضائل الت حم ل ليديا دينكوفا وماريا لوفتشيفا ولورا تاسيفا اللغة العربية املساواة املبدئية وأوجه التمييز أحمد بن ناعوم اللغة الهندية من أجل التعايش السلمي بني الفئات املتعارضة بنغايل كومار جاين اللغة الصينية دمج األضداد و املتناقضات جان فرنسوا فرينيو اللغة اليابانية السلطة والنسبية جريار سياري لغة الكتشوا قدر أم استعمار غيدو كاراسكو لغة الغونكوين غياب الكلمة ووقائع املمارسات ديان دافيو لغة الو لوف مكان مفتوح أو مغلق هدية الله فال لغة الغبايا 91 عدم الحكم عىل االختالفات بوليت رولون-دوكو لغة البامبارا اختالف وجهات النظر بوصفه مبدأ إسماعيل مايغا اللغة الكيسواحلية الصرب والتواضع والتجاوز األخالقي محمد أحمد صالح الخاتمة سيلفان أورو الحوايش 103 عنارص ببليوغرافية 106 املصنفات الجامعة وأعمال املؤتمرات واملختارات 107 4

6 كلمات التسامح في كلمات توطئة يعرف الجميع حق املعرفة أن التسامح ليس سلوكا مكتسبا نهائيا يلبي حاجة نفسية كالجوع أو العطش وال قيمة عاملية شائعة يف املمارسة. ويمثل التسامح ركنا من أركان الثقافة الديمقراطية التي تكون فيها الحقائق نسبية واالختالفات رشعية وهو غري متوافق مع األنظمة الشمولية التي تدعو إىل نظام فكري وحيد. ومع أن التسامح موجود يف عالم يتطلع إىل تحقيق السالم وتنترش فيه الديمقراطية فإنه ليس حارضا يف كل مكان بل نلحظ عىل العكس عودة قوية للعنرصية وكراهية األجانب والقوميات املتشددة والعصبيات الدينية وحاالت االستبعاد االجتماعي وشتى رضوب التمييز. ويفرتض السالم والوئام والديمقراطية رؤية مشرتكة للمايض والحارض واملستقبل. وإلرساء قيم مشرتكة يجب أن تعرف جميع األطراف الفاعلة وفقا للقول الشعبي الفرنيس املأثور»ما ي قصد بالكالم«. وال يغني أي تفاوض عىل األفكار - وبحجة أ و ىل األفكار ذات املفاهيم املتغرية أو القابلة للنقاش - عن التفاوض عىل الكلمات التي تحمل تقاليد ثقافية قوية وحساسيات اجتماعية وقيما رمزية يمكن أن يفقرها أو حتى أن يحجبها أي اختزال يف صياغة وحيدة بأي لغة من لغات العمل الدولية. وال يعرب عن التسامح يف صيغ ثابتة ال عرب املكان وال عرب الزمان. أما مرشوع التناول اللغوي-املعجمي والخطابي الذي يستلزم دراسات استقصائية أخرى من النوع ذاته فيستجيب لهدف أخالقي أال وهو هدف نرش معرفة كفيلة بامليض قدما يف االحرتام املتبادل والتفاهم. ويرد يف املقام األول عىل تساؤل ثقايف. فثمة فرتات محددة يسودها السالم أو عىل العكس تحل بها أزمات وتبدو فيها مفاهيم التسامح وأضداده كالتعصب والتعسف يف كل لغة محملة بمعنى خاص مثقل بسمات إثنية ودينية واجتماعية وجنسية تثقل الحقا بصفة دائمة عىل تداول مفهوم لم ينفصل فعال عن رشنقته الداللية. وإن اختيار عينة أوىل من اللغات التي تمثل مناطق متنوعة من العالم أتاح لبعض الباحثني املتخصصني أساسا يف اللسانيات االجتماعية بتنسيق تواله األستاذ بول سيبلو مدير فريق البحوث املعني بعلوم اللغة»براكسيلنغ«)Praxiling( يف جامعة بول فالريي بمدينة مونبلييه الفرنسية إجراء مجموعة أوىل من الدراسات االستقصائية. وخضع كل قطاع لغوي لتحليل محدد شمل تحديد سمات املصطلح وظروف ظهوره وتطوراته واستخدامه وتداوله االجتماعي. ولم يكن الهدف من هذه التوصيفات القصرية إعداد مرسد متعدد اللغات يصممه لسانيون لخدمة املرتجمني الشفهيني أو التحريريني وإنما إنجاز عمل أبسط وأقرب إىل األسس يتمثل يف اسرتعاء انتباه أكرب عدد ممكن من األطراف الفاعلة املنخرطة يف املعركة الرامية إىل إقامة مجتمع أكثر عدال وانسجاما إىل الصعوبات التي يطرحها تعريف تطلعها املشرتك إىل العيش املشرتك. ويعد برج بابل بناء محكوما عليه بأال ي نجز أبدا ألن العاملني فيه - الذين يظلون سجناء املنطق الخاص بكل لغة من لغاتهم ال يستطيعون التواصل فيما بينهم وال التفاهم من أجل بناء الطوابق األخرية فيه. أما بناء التسامح الذي يعد ركنا أساسيا من أركان ثقافة السالم فال يمكن أن يبقى بال استكمال بسبب نقص العاملني فيه. فيجب أن يتمكن هؤالء البناؤون رجاال ونساء وشبابا من ذوي النوايا الطيبة من التواصل فيما بينهم أيا كانت لغتهم من أجل إنجاز هذا العمل الذي يمثل يف عرص العوملة رشطا ال بد منه للعيش املشرتك بني بني البرش. وال يمثل هذا املرسد إال مخططا أوليا ملكنز ال بد من إنشائه. ولكنه يكشف ثراء الكنز املشرتك املؤلف من األلفاظ والخربات التي تعرب يف كل ثقافة عن الرضورة القصوى املتمثلة يف الرتحيب باآلخر. فيديريكو مايور املدير العام لليونسكو 5

7 التسامح في

8 كلمات التسامح في كلمات التقديم إن نشأة الكون كأساطري التكوين عىل سبيل املثال تويل دائما مكانة بل يف أغلب األحيان مكانة أساسية للكالم.)logos( فالكالم يؤكد مكانة اإلنسان البارزة يف عالم الحيوان وتمنح اللغة هذا الرسد البدائي سبب وجوده أال وهو إعطاء معنى للعالم. وعىل غرار ذلك ترى كل فلسفة أن من واجبها إيالء اللغة اهتماما خاصا ألنها تمثل الرشط األويل لوجود الفلسفة والشكل التعبريي الذي تتجىل فيه. ويجب أيضا أن يلجأ كل خطاب أيا كان إىل البعد املتمثل يف وصف اللغة باللغة ليشفع قوله بتفسري للنطق بقوله. ولنئ كنا بذلك ملزمني بالتعليق عىل أقوالنا فذلك ألن داللة املصطلحات التي تمكننا من تهيئة أفكارنا ونقلها إىل اآلخرين ليست ثابتة وال مشرتكة عىل نحو متجانس. فالكلمات ترد إىل خواطرنا بمعان متنوعة وأحيانا متناقضة نسبها إليها أشخاص آخرون قبلنا وهي معان ندرجها يف مفرداتنا ونقبلها جزئيا أو عىل العكس نرفضها. ولطاملا كان إدراك أوجه التباين تلك وهذا النقاش الذي يجري داخل اللغة ذاتها وذاك الحوار التفاعيل املتأصل يف عمل اللغة محجوبا بسبب وجود رضورة مضادة يف الظاهر تتمثل يف وجود نظام رموز مشرتك بني املتكلمني. ومن البديهي أنه إذا لم يكن املعنى ثابتا فإن ذلك ال يسمح لنا بأي حال من األحوال أن ننسب إىل الكلمات ما يحلو لنا من معان. فزمام هذه السلطة ليست يف أيدينا بل إن األفراد ملزمون بالخضوع للقواعد املشرتكة التي تتيح التبادل اللغوي. وقد وضعت حكمة األمم هذا املغزى منذ زمن بعيد يف القول املأثور التايل:»لكي يتسنى لنا التفاهم يجب أن نتفق أوال عىل معاني الكلمات«. ولذا فإن معاني الكلمات تخضع عىل الدوام لعمليات تفاوض وتداول فيما بني املتكلمني. ولهذا السبب أيضا شعرنا يف وقت مبكر جدا بالحاجة إىل ترميز النظم اللغوية عىل أدق وجه ممكن لكي يتسنى باستخدامها التواصل الشفهي فيما بني املتكلمني. ويبقى ذلك الوظيفة األوىل لكتب النحو والرصف واملعاجم. ويشرتك علم اللغة مع بعض العلوم األخرى كالحقوق والرياضيات يف إرساء األسس التاريخية للحضارات. وإن أقدم الشواهد املعروفة حتى يومنا هذا عىل نشاط الوصف اللغوي للغة ذاتها تتمثل يف القوائم املعجمية املحفورة عىل الر قم الغضارية السومرية التي يرجع تاريخها إىل 3000 سنة قبل امليالد. 1 ولم يتسن تحديد وظيفتها بوضوح فيبدو أن بعضها يؤدي دورا مساعدا للذاكرة ويمثل بعضها اآلخر قوائم ثنائية اللغة ت ستخدم يف الرتجمة. وأيا كان استخدامها فهي آثار تدل عىل حياة البرش يف بالد الرافدين قبل أكثر من خمسة آالف سنة. ومن خالل املصطلحات التي تضمها هذه املسارد األوىل وطريقة تنظيمها فإنها تعد شهادة شأنها شأن أي قوائم معجمية أخرى عىل التقنيات واملمارسات االجتماعية واملعتقدات التي تنظم مجتمعاتنا وتريس أسسها. فالكلمات تحفظ ذاكرة ثقافاتنا يف شكل طبقات داللية مرتاكمة عىل م ر التاريخ. وهي بذلك ال تسجل األمور بطريقة سلبية فقط بل إنها تؤثر يف األفراد واملجتمعات عىل حد سواء وذلك عىل نحو حاسم إىل أقىص الحدود. وجرى عىل صعيد األساطري تصور سلطة الكلمات عىل أنها قوة تؤثر يف العالم تأثريا مبارشا : ومنها الصيغ السحرية والصيغ املقصورة عىل فئة معينة والصيغ الباطنية التي تقدم آيات سفر التكوين نموذجا لها. وتتجىل قدرة اللغة عىل التأثري يف الواقع الذي تمثله بقدر أقل يف الحياة اليومية ويف الكالم العادي حيث يعرب معنى الكلمات عن وجهة نظر ويقرتح رؤية للعالم تحدد بالتايل سلوك البرش يف جزء كبري منه. وما يؤكد ذلك هو االهتمام الذي توليه املؤسسات االجتماعية لهذا األمر. فإن املذاهب شأنها شأن األفراد والدول والكنائس والحركات الفكرية والتيارات اإليديولوجية ال تنفك تسعى إىل تبيان تفوق املصطلحات الخاصة بها لتنقل إىل 7

9 التسامح في اآلخرين فهمها للعالم. فهذا جزء من أسباب وجودها. ولكن ثمة إغراء شديد يدفع السلطة الدنيوية إىل الرغبة يف أن تكون روحانية باملعنى األصيل للكلمة وأن تهيمن عىل موقف البرش يف املوقع الذي يصم م فيه: وذلك من خالل التحكم بأشكال الفكر وتوجيه استخدام الكلمات وفرض معانيها. وانطالقا من السلطة النهائية والجنونية مللك ذي سلطة مطلقة فعال ألف جورج أورويل عمال خياليا. ويبني هذا املؤلف يف قصته الخيالية الرهيبة ذات املغزى األخالقي أن أكمل رضوب الدكتاتورية هي تلك التي ال تكتفي بفرض قانونها بل تدعي امتالك الحق يف إمالء كل يشء عىل اآلخرين حتى فكرهم وتلك التي تمثل طغيانا تاما يتأمل ذاته يف استقامة الكلمات ويف لغة خشبية تحظر كل انحراف وكل احتجاج: يف هذيان»أخ كبري«يتوىل زمام املعنى بال منازع. والحتمال وقوع هذه الشمولية املطلقة جانب إيجابي لحسن الحظ. فلنئ كانت أحالم الطغيان تطمح إىل التحكم بمعاني الكلمات من خالل تثبيتها يف قالب يطابق وجهات نظرها فإن هذه املعاني تتغري وتفلت من زمام مرشوعات التوحيد حتى يف املصطلحات املتخصصة التي تتمثل وظيفتها الرضورية والرشعية يف ضبط املعنى يف حدود ما هو أفضل. فإن كلمات املعجم خالفا للرؤية الساذجة والنموذجية التي يمكن أن تتكون عنها ليس لها»معنى حقيقي«. فهي أدوات إلنتاج املعنى وهذا ما يعدل بعمق فهمنا املمكن لهذه الكلمات. 2 وتعمل هذه األجهزة اللغوية املعقدة يف إطار قواعد تراعيها جماعة املتكلمني بأكملها ولكن قيم هذه القواعد التي تمثل أسس اللغة تشتمل عىل تغريات للمعنى تسمح بوجود هامش للتقدير وحرية يف تفسري املضمون الداليل. وعندما تستخدم كلمات املعجم يف الخطاب تستلزم»معايرة«ملعناها لكي تتماىش مع ظروف التحاور وغاياته املحددة. وتتيح هذه املرونة للكلمات متابعة تطور املمارسات والتقنيات واملعارف عرب الزمان كما تتيح لها أن تواكب من خالل التسمية نفسها التقدم الذي تحرزه مجتمعاتنا يف فهم الواقع واستيعاب التحوالت الداللية الكبرية يف التسميات. كما أن هذه املرونة ذاتها تمك ن الكلمات من متابعة تغريات املعنى يف أشكال الخطاب وال سيما عندما ينترش املصطلح وتتداوله فئات اجتماعية أخرى تنسب إليه قيما مختلفة وأحيانا مضادة. ويمكن أن يفيض بذلك مجموع هذه االستخدامات املختلفة إىل حاالت متفردة. وهذه هي حالة مصطلح tolérance ]التسامح[ الذي وصف حتى بأنه»تسمية سيئة ليشء جميل«. 3 وأصبح املبدآن الديمقراطيان املتمثالن يف حرية الفكر وحرية التعبري راسخني بما يكفي ليصبح من غري املفهوم وال املقبول أن يطلق اسم التنازل عىل ما نعتربه اليوم حقا أساسيا. بيد أن رد الفعل السليم هذا ينجم عن مفارقة تاريخية ترتبط بتطور الكلمة. فإن مفهوم»التسامح«ظهر يف املجتمعات التي كان يهيمن عليها الفكر الديني وحدث ذلك منطقيا يف ظل اإليمان باإلله الواحد ألن تعدد اآللهة الذي يعد جامعا بحكم طبيعته ال يتعني عليه طرح مسألة املعتقدات املختلفة. أما فكرة اإلله الواحد فال يمكن تصورها إال من خالل املطلق املتمثل يف األلوهية التي ال يمكن أن تخضع ملبدأ النسبية. ولكن هذا هو بالتحديد ما تنطوي عليه بالرضورة فكرة التسامح الديني يف ظل اإليمان باإلله الواحد. ولذا فإن بوسويه أسقف مدينة مو )Meaux( يعرب إبان املواجهات بني الكاثوليك والربوتستانت الفرنسيني عن اعتقاده بأن التسامح غري مقبول ألنه يفيض إىل قبول الهرطقة والكفر وإىل اإلخالل بواجب املحبة املسيحي تجاه اآلخر املرتوك ملصريه الذي يقوده إىل الدينونة. وثمة افرتاضات أولية مماثلة تفرس تسمية»مرسوم التسامح«الصادر يف عام 1562 والذي منح الربوتستانت يف فرنسا إمكانية ممارسة شعائرهم الدينية ولقد منحوا هذا اإلذن باسم السلم املدني ومصلحة اململكة ال بموجب حق لم يكن مقبوال يف ذلك الوقت. ومن املنطقي إذن أن تكون اللغات الرومانية قد استمدت من اللغة الالتينية فعل tolerare الذي يعني»حمل تحم ل صمد قاوم«للداللة عىل قبول تحم ل»رش ال بد منه«شأنه شأن النار التي نقر بأهميتها وللتعبري عن معاناة نتحملها إزاء آراء وأوجه سلوك غري مقبولة بمعيار املعتقدات التي نؤمن بها يف قرارة أنفسنا. وهذا الفعل مشتق 8

10 كلمات التسامح في كلمات هو أيضا من فعل آخر هو tollere الذي يعني»حمل رفع نصب«وهو مبني عىل الجذر الهندي األوروبي Atlas الذي يعني»تحمل حمل«. أما الجذر الذي أعطى اسمه يف اللغة اليونانية لكلمة -ºtel-, ºtel-, ºtla ]أطلس[ فيعترب التسامح )tolérance( ثقال وقيدا. ونجمت عن ذلك حالة متناقضة تشري إليها التعليقات عىل الدوام ورسعان ما تتجىل يف دالالت أرسة الكلمات. فريد يف النسخة الالتينية لإلنجيل أن الحشود طالبت بصلب املسيح مرددة رصخة! Tolle! Tolle وقصدت بذلك نصب أداة التعذيب )وبقيت يف الفرنسية كلمة tollé بمثابة رصخة استهجان(. ونرى بذلك أن بعض الكلمات املشتقة من الجذر ذاته يمكن أن تدل عىل التسامح وعىل ضده يف الوقت نفسه. وال يدل هذا التضاد عىل عدم اتساق اللغة التي ال تحتفظ إال بالثوابت املتناقضة املوجودة لدى بني البرش. وهذه املفارقة تشبه املفارقة التي جعلت من املحبة املسيحية التي كان ي قصد بها محبة القريب تربيرا ال مربر له ملحاكم التفتيش وإلعدام اآلالف من البرش يف محارق الحطب. ومن السهل أن نجد حاالت شاذة مماثلة يف ممارسات األديان األخرى أو يف تنفيذ مشاريع سياسية تقد م عىل أنها تحسني لحياة البرش. وبذلك يمكن لكلمة أن تعرب من خالل صياغات متناقضة عن الفكرة التي ت حم ل إياها. وتظهر تناقضات أخرى عندما ندرس مجموع كلمات لغة معي نة. وتمثل قوائم مفردات اللغة»شبكات«يرى الناس من خاللها العالم ويقس مونه ويصنفونه ويسم ونه ويتصورونه إلضفاء معنى عليه وذلك بسبل تختلف من ثقافة إىل أخرى. وكان عالم اللغة األملاني ويلهلم فون ه مبولدت أول من أجرى يف كتابه املعنون»يف اختالف بنى اللغة لدى البرش وتأثريها يف تطور النوع البرشي«املنشور يف عام 1836 تأمال منهجيا يف تنوع النظم اللغوية. أما عالم اإلنسان األمريكي إدوارد سابري ومواطنه عالم اللسانيات بنيامني يل وورف فقد تناوال هذه اإلشكالية مجددا يف القرن العرشين وطوراها وضبطاها بمزيد من الشدة من خالل تطبيقها عىل لغات هنود أمريكا. وبحسب تحليالتهما أو عىل األقل التعاليم التي است خلصت منها إن التقسيمات اللغوية التي تجريها قوائم مفردات اللغات البعيدة تنتظم انتظاما شديد االرتباط بالثقافات بحيث ال تتسنى ترجمة املصطلحات إال عىل نحو تقريبي أو تصبح حتى من املحال. ومع ذلك فإن الرتجمات ال تتوقف بل إنها تتسم أحيانا بدقة مثرية لإلعجاب. والسبب يف ذلك عىل وجه التحديد هو أن معاني الكلمات قابلة للتكييف وأن ممارسات بني البرش أيا كان تنوعها تتقارب بما يكفي إلتاحة فهمها املتبادل. وبذلك فإن معاني الكلمات عموما ومعنى مصطلح»التسامح«بوجه خاص تعرب عن تاريخ النزاعات بني بني البرش وعن مواجهاتهم األيديولوجية كما تعرب يف الوقت نفسه عن تطلعهم إىل برشية مشرتكة. فإن فكرة»التسامح«تبقى وتفرض نفسها عىل اللغات والثقافات بوصفها سمة تبدو مشرتكة عىل اختالف املعاني وتنوع املصطلحات. ومن هذه املالحظة انطلقت فكرة إعداد هذا الكتاب الجامع. فكيف يجري التعبري عن»التسامح«وتصوره يف الفكر وتطبيقه يف الحياة لدى مختلف الثقافات وما هي الكلمات التي تتوىل التعبري عن فكرة التسامح يف مختلف اللغات وكيف تفعل ذلك وماهي األشكال املختلفة وأوجه التقارب والفروق يف شتى أنحاء العالم وهل يمكن الوقوف عىل مجال ثابت يف مجمل املصطلحات ومستمد من لغات مختلفة أو عىل األقل هل يمكن استخالص إشكالية مشرتكة وإذا ما صيغ املرشوع عىل هذا النحو فإنه ينم عن طموح مفرط ال ندري ما إذا كان إنجازه ممكنا حتى يف إطار برنامج منهجي. 4 أما قصدنا يف هذا الكتاب فهو أكثر تواضعا إذ يقترص عىل عملية استكشافية أي عىل الخوض يف مجال ال يزال يحتاج إىل اكتشاف عىل نحو أكثر منهجية. ولم ي ق د م الباحثون عىل املشاركة يف هذا املرشوع إال من باب االلتزام بدوافعه. ومع أنهم يدركون الحدود التي ينحرص فيها هذا امللف التمهيدي ومن ثم أوجه النقص التي يتسم بها فقد رأوا أن املجتمع العلمي ال يمكن أن يواجه مطالب عرصنا بال اكرتاث. 9

11 التسامح في ولنئ كنا قد توخينا تقديم عي نة من تنوع الكلمات التي تدل عىل»التسامح«فلم ند ع مع ذلك أننا نقرتح مجموعة من النصوص تكفي لتمثيل آالف اللغات الحية أو امليتة التي تم تعدادها. ولقد سعينا إىل تنويع خياراتنا ولكن هذه الخيارات فرضتها أحيانا ظروف تفر غ األشخاص أو شبكات العمل أو حتى الص دف املتاحة آنيا. وضمت أول مجموعة بعض اللغات القديمة )املرصية والعربية واليونانية والالتينية( وضمت الثانية لغات أوروبية يرتابط بعضها كاللغات الرومانية باألصول التي تنحدر منها وترتابط جميعها بتاريخ يتسم بكثافة املبادالت الثقافية )األوكسيتانية واإلسبانية والقشتالية والربتغالية والفرنسية واإليطالية من جهة واإلنجليزية والروسية والفنلندية والبلغارية من جهة أخرى( أما املجموعة الثالثة فتم تحديدها استنادا إىل تباينها )الغونكوين والعربية والبمبارا والصينية والغبايا والهندية واليابانية والكيسواحلية والكتشوا والولوف(. ويرمي اختيار هذه املجموعة الثالثة مقابل املجموعة السابقة إىل تبيان تنوع أشكال التعبري اللغوي عن»التسامح«. ويمكن أن ننتقد عن حق هذه العي نة من حيث أنها ال تنصف يف االختيار عائالت اللغات ولتحقيق ذلك كان ينبغي توخي الشمول يف الدراسة ولكن هذا األمر يتخطى حدود مرشوعنا تخطيا بالغا. أما املكانة التي حظيت بها اللغات األوروبية يف هذه الدراسة فهي بالتأكيد مرتبطة بتشكيلة الفريق الذي نظم هذا االستكشاف األول ولكن ليس هذا هو السبب الوحيد. فإن إيديولوجيا عرص التنوير هي التي ارتقت قطعا بالنقاش الذي يتناول مفهوم»التسامح«بالتالزم مع مفهوم الديمقراطية وهي التي أضفت عىل»العصور الحديثة«بعض أهم سماتها املميزة. ومن دواعي األسف أيضا أن تكون أبعاد املرشوع املحدودة قد دفعتنا إىل إيالء مزيد من االهتمام لالستكشاف املعجمي عىل حساب عمليات تحليل الخطاب الكفيلة وحدها بإدراك املعنى يف أدق تفاصيله. وتمثل هذه التفاصيل مجاالت للدراسة قد تتناولها تحليالت جديدة يف أطر أخرى. ولقد اختار الباحثون بكل حرية نهجهم يف تناول املوضوع وهم يتحملون مسؤولية ما يرد يف بحوثهم. وتفيض هذه الرصاحة إىل إيضاح توج هني يبدوان متضادين للوهلة األوىل. فبعضهم ال يرىض عن االستخدامات اللغوية أو عن املمارسات االجتماعية أو الدينية أو السياسية املرتبطة بمصطلح»التسامح«في قبلون عىل انتقاد ما يرون أنه يمثل أوجه خلل غري مقبولة. ويسعى غريهم عىل العكس إىل تبيان أن الثقافة أو اللغة أو املجتمع الذي يتحدثون عنه يقدم ما يمكن أن يعترب نموذجا»للتسامح«. وبكفي إذن أن نذهب إىل الحد األقىص بمنطق هذه املحاكمة العقلية لنعثر عىل املوقف املعروف الذي يعترب أن التسامح هو يف املقام األول تسامح اآلخرين ولنجد بالتايل يف متن التحليالت ذاته ما تزمع التنديد به... وهذا يعني أن الباحث يف مجال العلوم اإلنسانية ليس خارجا عن املوضوع الذي يدرسه وليس منفصال عن الجدليات التي يعمل عليها. وهذا يعني أيضا - وهنا يكمن جوهر املوضوع أن هذه املواقف التي تبدو متعاكسة يف ظاهرها ترتكز يف الواقع عىل اإلقرار ذاته بالرشعية التامة»للتسامح«. وهنا تكمن العربة األوىل التي ينبغي استخالصها من هذا النهج الجماعي يف تناول األمور. ويتمثل جوهر العربة يف التسليم بأنه ال يمكن تصور اإلنسانية إال من خالل االعرتاف باآلخر ويف التسامح املتبادل الذي يمثل مبدؤه أول قاعدة من القواعد املشرتكة بني بني البرش. بول سيبلو 10

12 كلمات التسامح في كلمات املشاركون Sydney Aufrère, U.P.R.E.S.-A. C.N.R.S. 5052, Religion et société dans l Égypte de l epoque tardive, Université Montpellier III. Sylvain Auroux, U.R.A. C.N.R.S. 381, Histoire des théories linguistiques, Université Paris VII. Christine Béal, U.P.R.E.S.-A. C.N.R.S., Discours, textualité et production de sens, Praxiling, Université Montpellier III. Ahmed Ben Naoum, Centre de recherches anthropologiques et préhistoriques, Université d Alger. Jacques Bres, U.P.R.E.S.-A. C.N.R.S., Discours, textualité et production de sens, Praxiling, Université Montpellier III. Irène Cahuet, Université Montpellier III. Gabriel Calori, E.A. 741, Études des pays anglophones, Université Montpellier III. Christian Camps, Université Montpellier III. Guido Carrasco, Université Montpellier Ill. Catherine Détrie, U.P.R.E.S.-A. C.N.R.S., Discours, textualité et production de sens, Praxiling, Université Montpellier Ill. Diane Daviault, Université du Quebec a Chicoutimi. Lydia Denkova, Centre d études cyrillo-méthodiennes, Académies des Sciences de Bulgarie. Michel Eckhard Elial, Revue Levant, Tel-Aviv, Montpellier. Khadiyatoulah Fall, Université du Québec à Chicoutimi. Gérard Gouiran, E.A. 743, Recherches sur le poétique et les traditions écrites et orales en Méditerranée, Université Montpellier III. Michel Griffe, Université Montpellier III. Maria Iovtcheva, Centre d études cyrillo-méthodiennes, Académie des Sciences de Bulgarie. 11

13 التسامح في Raimo Jusslla, Centre de recherche des langues nationales de Finlande, Helsinki. Claude Lauriol, U.P.R.E.S.-A. C.N.R.S. 5050, Centre d études du XVIII e siècle, Université Montpellier III. Ismaël Maïga, Centre de recherche, d étude et de formation interculturelle, I.N.A.L.C.O., Paris. Marie-Paule Masson, Centre de recherches néo-helléniques. Université Montpellier III. Bruno Maurer, U.P.R.E.S.-A. C.N.R.S., Discours, textualité et production de sens, Praxiling, Université Montpellier III. Vana Nicolaïdou-Kyrianidou, Université lonienne-corfou. Stravos Pérentidis, Université lonienne-corfou. Paulette Roulon-Doko, L.L.A.C.A.N. du C.N.R.S., Paris. Mohamed Ahmed Saleh. G.D.R. 115 C.N.R.S. Sociétés plurales de l Est africain. Sophie Sarrasin, Université Montpellier III. Gérard Siary, E.A. 742, Centre d études du XXe siècle. Université Montpellier III. Paul Siblot, U.P.R.E.S.-A. C.N.R.S., Discours, textualité et production de sens. Praxiling, Universite Montpellier Ill. Lora Tasseva, Centre d études cyrillo-méthodienne, Académie des Sciences de Bulgarie. Francis Utéza, Institut de sociolinguistique de Montpellier, Université Montpellier III. Jean-François Vergnaud, Université Montpellier III. 12

14 كلمات التسامح بكلمة واحدة يظن كل فرد أنه على حق في وجهة نظره ولكن ليس من المستحيل أن يكون جميع الناس على خطأ. ومن هنا تنشأ ضرورة التسامح. وإذا ما نم ينا في داخلنا التسامح تجاه التصورات األخرى فإننا نتوصل إلى فهم أصح لتصو رنا. غاندي 13

15 التسامح في

16 كلمات التسامح في كلمات اللغة املرصية القديمة التسامح الديني والتشدد الوطني ت عد اللغة املرصية لغة سامية ال ت ظهر يف شكلها الهريوغليفي الصوائت إال يف حاالت استثنائية نادرة فالكلمات ذات األصل البابيل ت كتب مع مراعاة تركيبها املقطعي - عىل عكس اللغة القبطية )من القرن الرابع إىل القرن الثاني عرش( التي ت مثل املرحلة األخرية من تطور اللغة املرصية والتي تلجأ إىل األبجدية اإلغريقية وإىل رموز مستمدة من الكتابة الديموطيقية. ويف الكتابة الهريوغليفية يساعد امل عر ف عىل فهم اللفظة إذ إنه يتيح بادئ ذي بدء تمييزها عن م جانس كتابي ذي تقسيم صوتي مختلف. وتوجد يف اللغة املرصية مفردتان تعربان باالشتقاق من معناهما األول عن مفهوم التسامح أو التساهل وهما: فعل»أوخ د«ويعني»تألم عانى ت حم ل «وفعل»تجام«الذي يعني»تحج ب«وي قصد بذلك حجب الوجه أساسا. ويمكن للفعل األول الذي يشري بوجه خاص إىل اآلالم الجسدية أن يؤدي فكرة»تحم ل«أحدا أو»ترص ف بلطف وتساهل )تجاه اآلخر(«. أما الفعل الثاني الذي يعني»حجب وجهه تجاه شخص«فيعني»كان متساهال /متسامحا )تجاه اآلخر(«وي شتق من هذا الفعل شكل اسمي وهو:»جام ت» ويعني»التساهل«. أما الوثائق املكتوبة باللغة القبطية وهي املرحلة النهائية من تطو ر اللغة املرصية فتستحرض مفاهيم تشري إىل عالم فكري مختلف عن األول. ففي النصوص التوراتية ت رتجم الكلمة اليونانية épieikeia أي»التسامح«بالكلمة القبطية )منثاك( أي»الرجاحة واالعتدال ودماثة الخ لق والكلمة مؤلفة من البادئة التجريدية )منت-( والصفة )هاك( أي»وديع راجح«. ويساوي معنى الكلمة حتى مفهوم»الصفاء«ألنه يشمل معنى»رصني معتدل غري مشاكس«ويقع بذلك عىل نقيض مصطلح مبني بالطريقة ذاتها وهو كلمة )منتسوك( التي تعني»جنون فعل أحمق فكر أهوج«. أما معنى»تحم ل )أحدا أو موقفا («في ؤدى باستخدام عبارة»يحمل )عبئا («يف صيغة )يف ها( املشتقة من الفعل )يف(»يحمل«وحرف الجر )ها-( أي»تحت بشأن«. وتستخدم اللغة القبطية أيضا عبارة تعني»الصرب التحم ل التساهل«: )منثارش هيت( وهي مؤلفة مما ييل: )منت-( )بادئة التجريد( + + )هارش(»ثقيل«)يف شكل النعت( + )هيت(»قلب«وتعني العبارة يف مجملها»أن يكون املرء صبورا وأن يستطيع تحمل املحنة مهما كلف األمر«. الذات اإللهية فريدة والتعبري عنها متعدد إذن فإن اللغة املرصية تستخدم بعض األلفاظ املتعلقة بالتسامح وتنطبق عىل العالقات بني األفراد. ويوصف التسامح بأنه أمر رضوري وتزداد رضورته كلما ازدادت ظروف الحياة صعوبة. وفيما ييل ما قاله العر اف نافارتي وهو يصف األزمنة املضطربة التي سبقت ظهور الساللة الحاكمة الثانية عرشة:»يرد أحدهم عىل كالم شخص آخر وهو يلو ح بسالحه فيقول الناس:»ال تقتله«. الحوار هو مثل النار عىل القلب: فإن املرء ال يتسامح مع ما يخرج من فم اآلخر«. 5 15

17 التسامح في أنا ال أحب كلمة التسامح ولكنني ال أجد أفضل منها. غاندي 16

18 كلمات التسامح في كلمات ويف املقابل ال تنطبق الكلمات التي تشري إىل هذا املفهوم يف أي حال من األحوال عىل املعتقدات األساسية ألن الطقوس والشعائر مبنية عىل»الكالم اإللهي«ميدو-نتجر الذي نقله األجداد ومن ثم فإن هذا الكالم هو الضامن الوحيد للكفاءة. وبذلك فإن كل انحراف عن التقاليد الفنية والدينية قد است بعد من الحياة الفكرية حتى ولو كان مقرت ح اإلصالحات ملكا. فإن أخناتون الذي استند إىل فكر إيديولوجي يعترب قرص الشمس آتون تعبريا مميزا عن البعد اإللهي حطم قيود التقاليد تحطيما كامال. ويسعى املتعصبون آلتون إىل إخفاء آثار عبادة آمون راه فيحاولون تحطيم صورة اسم إله الكرنك. أما الحقبة العمارنية التي مثلت تجديدا لألفكار املتعلقة باملؤسسات والفن واملعتقدات فقد انتهت إىل اإلخفاق والنسيان. ولم تشعر مرص يف أي وقت مىض وإىل هذا الحد بالحاجة إىل التغيري التي رسعان ما ت خنق أمام الرضورة القصوى املتمثلة يف التمسك باملبادئ املوروثة من العصور الغابرة. وشهدت مرص خالل القرون التي تلت الحقبة العمارنية صعودا بطيئا للتعبري عن الرغبات االجتماعية التي تفيض إىل رصاع بني أواخر املتمسكني بالثقافة التقليدية والديانة املسيحية. وجرى هذا الرصاع كما يف السابق دون أن يفكر أي من الطرفني يف االستناد إىل مبدأ التسامح. وشهدت حياة مرص القديمة عىل الدوام وعىل نحو متكرر رصاعات إثنية ودينية. فإن مختلف الجماعات البرشية املوزعة عىل طول وادي النيل لم تكن تشكل حضارة متجانسة فيما يتعلق باملعتقدات. ونجم عن ذلك نشوء مذهب وحدة الوجود الذي أحسن وصفه باختصار يامبليخوس )ت ويف يف بعد امليالد( يف كتابه امل عنون»أرسار مرص«:»تنطلق عقيدة املرصيني من الواحد ثم تنتقل إىل التعدد وهذا التعدد يخضع بدوره لسلطة الواحد والطبيعة غري املحدودة تضبطها يف كل مكان مقاييس محددة ويسيطر عليها السبب األعىل الذي ي وح د كل يشء«. 6 ولنئ كانت الذات اإللهية وحيدة فإن التعبري عنها متعدد. وتكتيس تجلياتها املحلية الشكل األكثر تالؤما مع ظروف البيئة األصلية. وبعد ذلك يصطف سكان كل إقليم وراء التعبري املحيل عن الذات اإللهية. واستنادا إىل التقاليد التي ت بني دراسات الجغرافيا الدينية سماتها الرئيسية تعقد هذه التقاليد صالت قوية فيما بينها أو تقيم عىل العكس تناقضات طقوسية عميقة. ويقوم مفهوم هذا التنوع يف الذات اإللهية عىل الرغبة يف توحيد مرص بوصفها أمة وال يمسح هذا املفهوم مالمح الفرد الناشئ من فضاء ثقايف تسود فيه قيمه الخاصة. القومية وردود الفعل املناهضة للثقافة األجنبية إن معرفة الكتب املقدسة التي عددها كليمنتوس اإلسكندري والتي ترد يف نصوص املكتبات الكهنوتية ومعرفة األساطري ورحالت الحج إىل أقدم املواقع التي ترتبط بها تقاليد جليلة يمثل كل ذلك جوهر الثقافة املرصية التي كان يرتبط بها الناس ارتباطا عميقا. أما ارتباط املرصيني بشعائرهم الوطنية واملحلية وال سيما فيما يتعلق بالحيوانات املقدسة التي كانوا يرون فيها عوامل للقوى اإللهية فقد تعزز مع ازدياد الضغط السيايس واالقتصادي والديني القادم من الخارج وال سيما يف العهد البطلمي والعهد الروماني. وشهدت هذه الحقبة ازدهارا لردود فعل تتسم بعنف غري معتاد وال سيما فيما يتعلق بأولئك الذين لم يكونوا يحرتمون العادات والتقاليد املرصية. فقد حدث يف عهد بطليمس الثاني أن وقع روماني يف ورطة شديدة ألنه قتل هرا بال قصد وقام السكان بذبحه عىل الفور. 17

19 التسامح في لم أكن سببا في بكاء أقراني بني البشر. كتاب الكلمات 18

20 كلمات التسامح في كلمات وي ذكر يف حادثة أخرى نشوب رصاعات بني سكان حي ني من األحياء القديمة املتجاورة حي األمبيطيني وحي التنترييني ألن الطرفني يتبادالن االتهام بعدم احرتام كل طرف منهما ملحظورات الطرف اآلخر. وعىل وجه العموم كانت خصوصية الشعائر الدينية واملحظورات طريقة لتأكيد الهوية بحيث إذا أراد أحدهم أن ي وج ه إهانة إىل الحي املجاور كان يبدأ بالهجوم عىل القيم التي كان يتعلق بها سكان ذلك الحي. واشتد هذا العداء الذي يستبعد كل أشكال التحم ل يف النصف األول من القرن الرابع تقريبا )مرسوم قسطنطني عام 313( وهي الفرتة التي أخذت فيها السلطات العامة تتأرجح بني الشعائر الدينية التقليدية والديانة املسيحية واشتد هذا التأرجح اشتدادا مأساويا يف القرن الخامس. كما أن الرصاعات اإليديولوجية التي تصادم فيها الطرفان و سمت مبارشة بأنها قائمة عىل عدم التوافق بني الطرفني ألن الثقافة والنزعة الوطنية املرصية والدفاع عن املعتقدات التقليدية ت مثل كلها كيانا واحدا. وإن الحفاظ عىل اللغة املرصية الهريوغليفية والتمسك باللغة املرصية املحكية يمثالن عنرصين من عنارص مقاومة اللغة اليونانية أي لغة الطغيان. ويف نظر أواخر األتقياء املخلصني لآللهة املرصية التي أ ضفي عليها الطابع اليوناني إن من ينتقل إىل الديانة املسيحية ويتخىل عن القيم املوروثة من األجداد ي عد مرتدا. ومع ذلك فإن النكران قريب. وي جسد هذا املوقف مؤلف شهري م زو د بهذه الثقافة املزدوجة اليونانية املرصية وهو هورابولون. إنه فيلسوف ذو شأن ينتمي إىل أرسة قديمة تدافع تقليديا عن بقايا الديانة املرصية سعى بتعصب إىل تعليم املفاهيم األخرية للغة املكتوبة بالرموز الهريوغليفية املثبتة عىل املعالم األثرية. وعىل الرغم من انتمائه إىل تيار مقاومة ي ثب ت أقدامه أمام ضعف العالم اليوناني الروماني يتسم الجزء الثاني من حياته بطابع التحو ل القرسي. وي جسد هورابولون والحلقة اإلسكندرية التي كان ينتمي إليها االنتفاضة األخرية للفلسفة اإلسكندرية الوثنية التي تدافع عن العقيدة بطاقة اليأس 7. وبذلك كانت هناك هوة عميقة تفصل بني قوتني متضادتني ال يمكن التوفيق بينهما يخدم إحداهما من جهة أواخر الكهنة املنتمني إىل طيبة والذين يرون جميع قيمهم وهي تتالىش ويخدم القوة األخرى آباء الكنيسة الذين لم يكونوا يرتددون يف استخدام كامل املجموعة اإليديولوجية املنبثقة من التقليد الفلسفي اليوناني الالتيني. ومع أن التسامح لم يكن يف ذلك الوقت موطن القوة يف املسيحية فإن هذه الديانة قد طو رت يف مرص ذاتها هذا املوضوع الذي نجده يف الكتابات القبطية يف أشكال قائمة إىل حد كبري عىل الصور املجازية التي ت ربز دائما فكرة»العبء«ولكن هذه األشكال كما يف أوائل العرص القديم لم تكن تنطبق إطالقا عىل العقائد ذاتها ألنه لم يكن هناك يف ذلك العالم امل تحو ل ال يف هذه الجهة وال يف تلك أي إمكانية للوفاق. سيدني أوفرير 19

21 التسامح في ينبغي أن تنظروا إلى الغريب المقيم معكم وكأنه منكم وفيكم أ حبه كما تحب نفسك Lévitique 20

22 كلمات التسامح في كلمات اللغة العربية التسامح أو التساكن لنئ كانت اللغة العربية الحديثة ال تمتلك مرادفا دقيقا ملصطلح التسامح فإنها تمتلك عددا من األلفاظ املتعلقة بهذا املفهوم وال سيما باملمارسة السياسية واالجتماعية والثقافية املرتبطة به. وهذا التفرد الداليل الذي ال بد من مقارنته باملوقع الذي يمكن أن يحتله هذا املفهوم املعارص واألوروبي املركز يف حقل الفكر السامي ال يأخذ داللته الكاملة إال من خالل مقارنته بالتقليد العربي وبتاريخ إرسائيل. فيجب مراعاة أن التشتت اليهودي الذي كف خالله اليهود عن كونهم أطرافا فاعلة يف الحياة الوطنية ليصبحوا منفيني أدى يف مرحلة أوىل إىل طرح مشكلة عدم تسامح البلدان التي حلوا بها بوجه خاص. ولم ت طرح املشكلة حقا إال يف القرن العرشين وبخاصة بعد إنشاء دولة إرسائيل يف عام 1948 أي لم ت طرح يف أبعادها املؤسسية واللغوية ألرض وواقع سيايس واجتماعي يسوده وجود تقليد يرجع إىل قرون عديدة ماضية ولكن يسوده أيضا تعقيد وضع مشرتك بني جماعات مختلفة مما يطرح عىل وجه التحديد مفهوم التسامح. ويف الواقع تمحورت حول هذا املفهوم وحول تفسريه ممارسة ت حدد العالقات بني مختلف مكو نات الفسيفساء اإلرسائيلية ويف مقدمتها العالقات بني الجمهور الديني والجمهور غري الديني. أما املثل األعىل للتسامح املقبول عموما والسائد يف مجتمع تظل فيه النماذج الفلسفية واإليديولوجية أوروبية يف صميمها فيصبح بذلك يف مواجهة ممارسة ال تعيش هذا املثل األعىل يف أغلب األحيان إال عىل النمط األسطوري وحتى السلبي. وسعيا إىل نقد هذا االتجاه يمكن أن ي سمى تعصبا أكثر مما يسمى تسامحا ويحتفظ معجم العربية املعارصة عىل وجه الخصوص بعبارات التعصب وتخطر ببالنا يف هذا السياق بوجه خاص عبارة»كفياه داتيت«)وتعني حرفيا»القيد الديني«( وترادف عبارة»التعصب الديني«. وعىل نحو أعم ولكن بمعنى شديد الضبابية ي ستخدم مصطلح»سوفالنوت«امل شتق من الجذر ]س.ف.ل.[ واملتعلق أساسا باملعاناة للداللة - أو بعبارة أدق لرتجمة - فكرة التسامح. ولكن يبدو أن هذا الواجب املتمثل يف التالطف والتعاطف اللذين يفرتضهما التسامح خارج تماما عن التقليد العربي بل إنه ي ذكر يف هذا التقليد أن العالقة بالغريب املختلف عن الذات ترتبط ارتباطا وثيقا بالحضور يف املكان ويف املسكن. فالغريب هو جزء من املنزل بحيث ال يوجد تجاهه أي واجب خاص إال واجب الترصف معه وكأنه»بن بيت«)أي»ابن البيت«(. وهذا ما ت دو نه اللغة التي تقيم عالقة داللية بني»غوير«]الغريب[ و«ل غور«]سكن [ وهذا ما يوضحه املثاالن التوراتيان: مثال روث الغريبة التي د عيت إىل تقاسم منزل إرسائيل ومثال اسماعيل ابن أغار الخادمة الذي ي ختن كدليل عىل انتمائه هو أيضا إىل»البيت«. ميشيل إيكهارد إليال 21

23 التسامح في افعل باآلخرين ما تريد أن يفعلوا بك: هذا هو الناموس واألنبياء. العهد الجديد متى ١٢ ٧ 22

24 كلمات التسامح في كلمات اللغة اليونانية القديمة نزع القدسية والتعددية الدينية واملطلق التوحيدي Τἁ ỏνόματα ]تا أونوماتا[: الكلمات يتيح البحث يف املعامج املختلفة العثور عىل اللكامت التالية اليت تكشف وفرهتا تعدد املعاين الذي يتسم به هذا املفهوم: ανοχή ]أنويخ[: تتخذ يف اليونانية القدمية املعاين التالية: )أ( إذا اكنت مشفوعة بالبادئة -ανα ]أنا-[ املستخدمة مبعىن»حنو األعىل«فإهنا تعين معلية الحسب إىل األعىل )حسب املاء من البرئ عىل سبيل املثال( )ب( وإذا اكنت مشفوعة بالبادئة -ανα ]أنا-[ املستخدمة مبعىن»يف اخللف«فإهنا تعين اإلمساك أو اإليقاف أو التعليق )وتعين املهادنة لدى زينوفون أو إشينوس أو بلوتارخس و الراحة والرتفيه يف الرتمجة السبعينية و الصرب وطول األناة لدى الرواقيني تتجىل يف السياق الروايق امتدادات ملقولة أبكتيتوس الهشرية»محت ل وامتنع«ἀνέχου καἱ ἀπέχου ]أنيخو اكي أبيخو[ ويف النصوص املسيحية اعتبار ا من العهد اجلديد(. أما الفعل املقابل هلذه اللكمة وهو ἀνέχω ]أنيخو[ فهو يعين»أ محل إىل األعىل أ سند ويعين يف شلكه املتوسط املبين لملجهول ἀνέχομαι ]أنيخوماي[»أ متاسك أ متالك نفيس أنا حازم أ محت ل«(. وجند أيض ا الصفة ἀνεκτός ]أنيكتوس[ والظرف ἀνεκτῶς ]أنيكتوس[ وحىت االمس الذي يدل عىل مسة ما هو قابل للتحمل ἀνεκτότης ]أنيكتوتس[. وقد حافظ هذا املصطلح ومشتقاته يف الوقت الراهن أساس ا عىل ما يتسم به من قمية أخالقية. Υπομονή ]إيبوموين[: )الفعل ὑπομένω ]إيبومينو[ ويعين»أ بىق يف اخللف أ مكث أ محت ل الصدمة أ عاين«والصفة υπομονετικός ]إيبومينيتيكوس[(. وتؤكد التطورات احلديثة هلذه اللكمة املعىن الوارد هنا. فاملصطلحان يتمسان إذن مبعىن أخاليق فإما يكون املرء يف موقع الضحية فيتكبد ما يقوم به اآلخر من اعتداء هيلع وتنترص قوته األخالقية عىل رش املعتدي وإما يكون املرء يف موقع املتفو ق فيتقبل ويساحم. وهذا املعىن األخري هو ما تتسم به لكمة ανοχή ]أنويخ[ يف»العهد اجلديد«أو لدى آباء الكنيسة فميا يتعلق مبفهوم تساحم اهلل جتاه خطايا البرش. زد عىل ذلك أن هذا املصطلح يرد يف معظم احلاالت مشفوع ا بلكمة μακροθυμία ]ماكروثمييا[ اليت تعين»طول األناة«وتقرتب من مفهوم التساهل ويه فكرة تتجىل يف املصطلحات األخرى اليت ت عرب عن مفهوم التساحم ومهنا: επιείκεια ]إيبييكييا[ وتعين يف األصل»التقيمي السلمي واإلنصاف والطيبة والرأفة و εύνοια ]إينوييا[ االستعداد الذهين اجليد واإلحسان«و συνχώρησις ]سينخوريسيس[»االجمتاع يف املاكن ذاته«و«التقارب«و«تقدمي التنازالت«مث»الصفح«. 23

25 التسامح في لقد ولدنا جميعا متساوين في كل شيء سواء أكنا من اليونان أم من الهمج. أنطيفون )القرن الخامس قبل الميالد( 24

26 كلمات التسامح في كلمات ومن الواحض أنه مل يعرب أي مصطلح من املصطلحات اليت جرى النظر فهيا أعاله عن مفهوم التساحم االجمتايع مكا عر فه فالسفة عرص التنوير الفرنسيون. ومل ت ستحدث العبارة املركبة ἢ ἀνοχή τῶν θρησκειῶν اليت تعين عىل وجه الدقة ]أنيكسيرثيسكييا[ ἀνεξιθρησκεία ]إي أنويخ تون ثريسكييون[»تسامح األديان«إال يف عام 1766 وذلك بمناسبة قيام أ. فولغاريس برتجمة عمل لفولتري بشأن التسامح أتبعه بمقال قصري بقلمه ولكنه يدين فيه بالكثري لفولتري. ويف الدستور األول لعام 1822 حني جرى العزم عىل التعبري عن التسامح فيما يخص األفكار السياسية أو الدينية است خدم مصطلح ανοχή ]أنوخي[ مجددا مشفوعا بعبارة τῶν θρησκευτικῶν καἱ πολιτικῶν φρονημάτων ]تون ثريسكيتيكون كاي بوليتيكون فرونيماتون[»التسامح فيما يخص األفكار الدينية والسياسية«. وهل يمكن تربير استخدام هذه املجموعة املعقدة والعائمة إىل حد ما من املفردات بمقولة أن الهلنية كانت عىل مر العصور غري مؤاتية لتطور القيم املرتبطة بمفهوم التسامح اآلخر الهمجي كان اإلغريق يف العرص الكالسيكي وهم من كانوا يطلقون عىل الغريب اسما واحدا أال وهو الهمجي غري مؤهلني بما فيه الكفاية لقبول اآلخر وفضال عن ذلك فإن فضيلة التسامح باملعنى الحديث للكلمة لم ت طب ق إال فيما ندر حتى يف الديمقراطية األثينية: فالسفسطي بروتاغوراس قد اتهم بارتكاب املعايص وح كم عىل سقراط برشب سم الشوكران وكاد يؤول إىل املصري ذاته السفسطي بروديكوس بسبب إلحاده. وكانت املعلومة خاطئة ولكنها اعت ربت صحيحة لفرتة طويلة وهذا أمر له داللته. ومع ذلك فإننا نلمس لدى السفسطيني القدامى بعض املفاهيم التي تفيض إىل مواقف تنم عن تسامح. وكان هؤالء السفسطيون بوصفهم تالميذ الطبيعة يؤكدون عىل السمة االصطالحية للقوانني والرشائع املدنية ويعتربون التمييز ضد أولئك الذين ال يتكي فون مع النموذج املدني لالمتياز أمرا غري رشعي كما كانوا يرفضون التمييز القائم عىل األصول اإلثنية والوضع االجتماعي واملعتقدات الدينية: فهذا هيبياس يرص ح بأن جميع الناس أقارب ويتشاركون يف املواطنة باسم الطبيعة وذاك ليكوفرون ي عرب عن مناهضته للتمييز االجتماعي وهيمنة الطبقة األرستقراطية أما أنتيفون فيندد ب«العنرصية«ضد الهمج معلنا أن الطبيعة أنجبت الناس جميعهم متماثلني ويعلن ألسيداماس أخريا أنه ال يجوز اعتبار أي كائن برشي عبدا بطبيعته. وختاما ال يمكننا أن ننىس ما قدمه الكلبيون من رشوح ملسألة العودة إىل الطبيعة التي أدت بهم إىل إدراك نسبية املفاهيم األخالقية املعمول بها يف املجتمعات املختلفة. فإن نزع القدسية هذا عن قواعد التقييم الذي جرى تيسريه يف كل مدينة قد أفىض بالتأكيد إىل زعزعة املواقف املتعصبة. ولكن حالة السفسطيني والكلبيني ظلت هامشية داخل املجتمع اإلغريقي يف العرص الكالسيكي. واتسمت األزمنة الهلنستية ببعض سمات املواطنة العاملية: فقد تزو ج اإلسكندر يف سوزي من ابنة داريوس بينما قام جنوده بسبي نسوة فارسيات وذلك ليعطي إلمرباطورتيه طابعا متماسكا. ونشهد نشأة وجه معني من أوجه التسامح مع ظهور حركة التوفيق بني املعتقدات الدينية التي دعا إليها. فإن رؤية زوس يف اإلله عامون أو البحث لدى ميثرا عن سمات اآللهة اإلغريق إنما يمثل وجها من أوجه االعرتاف باآلخر. واإليمان بوجود اإلله نفسه بمسميات مختلفة وهو إيمان تطو ر يف العرص الهلنستي )الهينوثية( يفيض يف الواقع إىل مظهر معني من مظاهر التسامح. 25

27 التسامح في ال تسمح بأن تسود في نفسك الفكرة القائلة بأن الحقيقة هي ما تقول أنت وال شيء غير ذلك. سوفوكليس ) ( 26

28 كلمات التسامح في كلمات املخاطر املحدقة بالحريات الدينية كان عىل انتشار املسيحية يف العالم اليوناني الروماني أن يضع حدا لهذا التطور يف طرائق التفكري. فإن عقيدة التوحيد لم تتقبل املساكنة مع األديان األخرى ولم تكن لتتحمل أن تمارس طقوسها عىل نحو غري مرشوع مما أدى عىل سبيل املثال إىل إدانة الغنوصيني وإىل ممارسة أوجه االضطهاد املختلفة التي كان للمسيحيني دور فيها إما بوصفهم ضحايا وإما جهات فاعلة. أما مراسيم التسامح التي تبدو قادرة عىل جعل التعايش بني األوثان واملسيحيني يف املجتمع الواحد أمرا ممكنا من خالل ترسيخ الحريات الدينية فما كانت لتدوم سوى لفرتة محدودة. وها هي ذي املسيحية التي رسعان ما أضحت الديانة الرسمية للدولة تغلق جامعة أثينا التي كان ي در س فيها فالسفة وخطباء أوثان )يف عام 526( وها هي ذي التيوقراطية يف بيزنطة تقوم بحرق أعمال جيميست بليثون )يف القرن الخامس عرش( ويسقط تلميذه جوفيناريوس شهيدا. وبعد عام 1453 انتقل اإلغريق من الوضع املهيم ن الذي كانوا عليه إىل وضع املهيم ن عليه. وأصبحت ديانتهم التي كانت يف السابق الديانة الرسمية للدولة ديانة يجري تقب لها. وملا كان العثمانيون يحرتمون انتماء هؤالء إىل إحدى ديانات الكتاب فقد سمحوا لهم بممارسة شعائرهم الدينية تحت سلطة بطريرك القسطنطينية مقابل فرض الجزية عليهم. وفيما عدا االنتفاضات التي كانت ت قمع دوما برشاسة فقد خاض اإلغريق تجربتهم يف التعددية الدينية يف قلب الدولة العثمانية. ويف الوقت نفسه الذي أثار فيهم وجدانهم الوطني الحمية بشأن هويتهم األرثوذكسية انترشت أفكار عرص التنوير الفرنيس بني صفوف املفكرين اليونان وعىل وجه الخصوص يف أوساط الفناريني املنتمني إىل مولدافيا وفالشيا: فههنا نجد من يقرأ ويرتجم مونتسكيو وفولتري وروسو وإعالن حقوق اإلنسان واملواطن. ويف هذا السياق بالتحديد است حدثت كلمة ἀνεξιθρησκεία ]أنيكسيثريسكييا[ ]تسامح األديان[ املذكورة أعاله. وهكذا عندما قام اليونان بانتفاضتهم يف عام 1821 مطالبني باستقاللهم واعتبارا من بدء العمل بدستور إبيداورس )عام 1822( أصبحت املسيحية مجددا الديانة الرسمية للدولة ولكن وبتأثري عىل األرجح من الدستور الفرنيس لعام 1793 وإعالن حقوق اإلنسان جرى إدخال مفهوم التسامح الديني يف إطار القانون األسايس وبات يدرج هذا املفهوم منذ ذلك الحني يف جميع الوثائق الرسمية. ويف إطار دستور عام 1975 الذي جرى تعديله يف عام 1985 تم إنشاء النظام الدستوري الذي يرعى مفهوم ἀνεξιθρησκεία ]أنيكسيثريسكييا[ ]تسامح األديان[ وهو ينطوي عىل االعرتاف بالديانات األخرى كما جرى إلغاء القانون الذي ينص عىل أن يكون اعتناق الديانة املسيحية األرثوذكسية رشطا إلزاميا من رشوط الرتشح ملنصب رئيس الدولة. ولكن هذا ال يعني أن النظام يرقى إىل املساواة الطائفية حيث تحظى الديانات جميعها بالوضع القانوني نفسه وتتمتع بالحماية ذاتها وبالصالحيات ذاتها تجاه اإلدارة: فاألرثوذكسية بوصفها الديانة الرسمية للدولة لها األولوية عىل جميع الديانات األخرى التي ي طلق عليها اسم الديانات املعروفة والتي يجب أال تظل عقائدها وممارساتها الثقافية رسية وأن تلتزم باالمتناع عن القيام بأي نوع من التبشري. ولم يكن قط للمساواة بني األديان مكان يف اليونان عىل الرغم من محاولة ريغاس وهو مرتجم إعالن حقوق اإلنسان واملواطن الحث عىل اعتماد صيغة مراسيم التسامح التي أصدرها قسطنطني )عام 313 بعد امليالد( أال وهي: έλευθερία της θρησκείας ]إيليوثرييا تيس ثريسكيياس[ حرية الدين وهي صيغة ترجع إىل أوسابيوس القيرصي وهو مرتجم نص املراسيم إىل اللغة الالتينية. وكما يظهر مما سبق فإن التاريخ هو الذي ي فرس ملاذا يجري التعبري عن مفهوم التسامح باللغة اليونانية من خالل مصطلحات مختلفة نادرا ما تتوافق مع معنى الكلمة باللغة الفرنسية كما حدده فكر عرص التنوير وإعالن حقوق اإلنسان واملواطن. 8 ماري-بول ماسون وفانا نيكواليدو-كرييانيدو وستافروس برينديتيس 27

29 التسامح في على المرء أن يعيش حياته في الحقيقة والعدالة وأن يتحلى بالتسامح حتى مع المنافق والظالم. ماركوس أوريليوس ) ( 28

30 كلمات التسامح في كلمات اللغة الالتينية هل كان الرومان متسامحني Verba )الكلمات( مما ال شك فيه أن كلمة tolérance ]تسامح[ هي من أصل التيني. وعىل غرار الصفتني tolerans»م عان «وtolerabilis»قابل للتحمل«والظرف toleranter»بصرب«واالسم toleratio»القدرة عىل التحمل«ت عد كلمة tolerantia مشتقة من فعل tolerare»تحم ل«وهو ينتمي إىل عائلة tollere»رفع حمل«وال بد أن هذا الفعل كان يعني يف األصل»حمل تحم ل«. ولكن tolerantia هي كلمة نادرة يف اللغة الالتينية الكالسيكية ويقترص معناها عىل القدرة عىل تحمل األلم الجسدي والتعب والربد وما إىل ذلك. وال ي ستشف أي تطور لهذا املصطلح باتجاه املعنى الحديث للكلمة حتى يف اللغة الالتينية املتأخرة. والسؤال املطروح هنا يتمثل فيما إذا كان الرومان قد عرفوا التسامح بمسميات أخرى. فإن املفردات الالتينية تمتلك بالفعل كلمات مختلفة تدور حول هذه الفكرة ومنها: patienta»التساهل«)وت فهم الكلمة باألحرى بوصفها عيبا ( وlenitas»الرقة«و benignitas»الطيبة«و facilitas»اللطافة«و mansuetudo»الوداعة«و misericordia»الرحمة«و clementia»الرأفة«و benevolentia»اإلحسان«و humanitas»اإلنسانية«.»ما من يشء إنساني غريب عني«لعل مصطلح humanitas ]اإلنسانية[ من بني جميع هذه املصطلحات هو املصطلح األقرب إىل ما نعنيه بكلمة»تسامح«أي احرتام اآلخر عىل الصعيد املادي واملعنوي والديني والثقايف. وكم أ حب الرومان تكرار هذه الحكمة الجميلة: Homo sum, humani nihil a me alienum puto»أنا إنسان وما من يشء إنساني غريب عني«. 9 ويتمثل مفهوم»اإلنسانية«حسب شيرشون يف ما ي مي ز اإلنسان عن الحيوان: وهو ي عر ف يف إطار اللغة والعقل oratio( و )ratio ويتطلب الحد األدنى من العطاء تجاه قريبنا liberalitas( ]اإلحسان[(: ويتجسد يف تقديم كوب من املاء أو ما يوقد النار أو توجيه امرئ يف الطريق الصحيح. وال يكفي ذلك لبلوغ حد التسامح بوصفه فضيلة أساسية وعاملية ولنئ كان املجتمع البرشي يمثل أوسع دائرة ينتمي إليها اإلنسان فإن هذه الدائرة ال تمثل ما يحقق الرتابط األوثق بني بني البرش: فهناك قبل ذلك الوطن واألصدقاء واألهل والحلقة الصغرية من الناس الطيبني )boni( 10. ويذهب سينيكا إىل أبعد من ذلك حني يريس االحرتام الواجب للعبيد عىل أساس»حق الكائنات الحية«وهي فكرة يدين بها عىل األرجح للرواقيني إذ يقول: Cum in seruum omnia liceant, est aliquid quod in homine licere commune ius animantium uetel»عىل الرغم من أن كل يشء جائز من الناحية القانونية ضد العبيد فإن هناك حدودا يفرضها علينا حق الكائنات الحية فيما يتعلق باإلنسان«. 11 واستمر املسيحيون عىل هذا النهج من خالل إعطاء أهمية كربى لوحدة الجنس البرشي: Nec nobis de nostraa frequentia blandiamur: multi nobis uidemur.sed deo admodum pauci sumus. Nos gentes nationesque distinguimus: deo una domus est mundus hic totus 29

31 التسامح في ليس من التقوى أن نحرم البشر من الحرية فيما يتعلق بالدين. ترتوليان ) ( 30

32 كلمات التسامح في كلمات»دعونا نتخىل عن أوهامنا فيما يتعلق بتعدد البرش: فيبدو لنا أن أعداد الناس ال تحىص ولكن يف نظر الله إن عددنا لقليل. ونحن نمي ز بني األعراق والشعوب أما يف نظر الله فهذا الكون برمته هو مسكن واحد«. 12 ولكن يف أغلب األحيان لألسف شتان ما بني النظرية والتطبيق ويحق لنا التساؤل عما إذا كان الرومان الذين تحدثوا عن»اإلنسانية«)humanitas( قد مارسوا يف الواقع فضيلة التسامح. أما أن ي صدر املرء حكمه عىل شعب بأكمله فيمثل ذلك بالتأكيد مهمة يف غاية الصعوبة ولذا فإن حكم املؤرخني ال يمكن أن يكون جازما.»جرائم ضد اإلنسانية«أرست االنتصارات العسكرية يف نفوس الرومان إيمانا راسخا بتفوقهم يف قدراتهم الحربية وحضارتهم املادية ومؤسساتهم وآلهتهم. وعىل الرغم من بعض النكسات التي تعرضوا لها والتي كانت خطرية يف بعض األحيان ظل هذا اليقني ال تشوبه شائبة إىل حني استيالء القوطي الغربي أالريك عىل روما عام 410. أما صورة الروماني املتغطرس واملتصلب والفظ وكاره األجانب أحيانا فيؤكدها لألسف عدد من»الجرائم ضد اإلنسانية«منها: قتال املصارعني ووجود العبودية واضطهاد املسيحيني. ويمكن أن نضيف إىل هذه القائمة من الترصفات املخزية أعمال القمع الوحشية لشعائر ديونيسوس-باخوس يف عام 186 قبل امليالد )التي ذهب ضحيتها عدة آالف من البرش( وعمليات الطرد الدورية التي مورست عىل الفالسفة أو اليهود أو حتى... عىل اإليطاليني والالتني )يف عامي 177 و 122 قبل امليالد(! وتتجىل كراهية األجانب أحيانا بفظاظة والك تاب أنفسهم ال ينم قون كلماتهم يف التعبري عن هذه الكراهية ويشهد عىل ذلك الهجاء الثالث الشهري لجوفينال الذي ي شب ه فيه تدفق الرشقيني نحو العاصمة باملجاري التي تصب يف نهر التيرب. ويربر يوليوس قيرص الذي كان مع ذلك معروفا برأفته اإلبادة الجماعية ضد الغال اإليبورونيني يف عبارات تقشعر لها األبدان: ut pro tali facinore stirps ac nomen ciuitatis tollatur»كان من الرضوري ردا عىل هذه الجريمة البشعة إبادة هذا الشعب عن بكرة أبيه ومحو ذكره«. 13 وهذه الجرائم ال تقبل الجدل ولكن ودون السعي إىل إيجاد أعذار للفظائع التي ارت كبت يجب تخفيف حدة الجزم يف األمر وإال فلن يتسنى لنا أن ندرك أنه لو كانت اإلمرباطورية الرومانية قد قامت عىل العنف وازدراء الشعوب األخرى فقط ملا نجحت يف التوسع إىل أقايص بلدان حوض البحر األبيض املتوسط وملا استمرت عمليا ملدة تزيد عىل ألف عام وملدة أطول من ذلك يف خيال البرش. البوتقة الرومانية لم تتسم معاداة األجانب يف روما بسمة منهجية. فقد كان يرح ب باألجانب عادة وكانوا ي حرتمون يف انتماءاتهم املختلفة. وثمة نصوص يمكن ذكرها تدافع عن اندماجهم يف املدينة. وأشهر تلك النصوص هو الخطاب الذي ألقاه كالوديوس أمام مجلس الشيوخ يف 15 آب/أغسطس 48 بعد امليالد يطلب فيه قبول بعض الوجهاء الغال أعضاء يف املجلس الشهري. وي ذك ر اإلمرباطور يف هذا السياق بأن روما قد عرفت ملوكا أتروريني وأنها لم تتوقف قط عن فتح أبواب املواطنة الرومانية ومواقع املسؤولية السياسية لألجانب. ويف الواقع كان بإمكان عدد قليل من الوجهاء فقط التباهي يف نهاية العرص الجمهوري ويف زمن اإلمرباطورية بأن أجدادهم كانوا من الرومان حرصا. وكان شيرشون نفسه من أصل إيطايل وكان خصومه السياسيون يصفونه ب«املهاجر«Romae( inquilinus urbis ]ضيف عىل مدينة روما[(. وكان يرد عليهم بأن لديه وطنا مزدوجا : الوطن الذي و لد فيه باإلضافة إىل روما. 14 وعىل ضوء البعد الذي يوفره لنا املنظور التاريخي نرى أنه يف حني أن األمم املعارصة تبدو منكمشة داخل حدودها وتقي د 31

33 التسامح في دخول األجانب إىل أراضيها وانتفاعهم بامتيازاتها أثبت الرومان القدماء أنهم عىل عكس ذلك: ففي عام 212 بعد امليالد كان جميع املواطنني األحرار يف اإلمرباطورية يتمتعون بحقوق املواطنة الرومانية ciuitas( ]الدولة[(. وكان يتجىل يف موقف الرومان من الثقافات األجنبية التباين ذاته. فكانوا يرون أن حضارتهم متفوقة عىل جميع الحضارات األخرى مع أنهم أخذوا معظمها عن اإلغريق. وتعد قدرتهم عىل االستيعاب فكرية وإثنية عىل حد سواء. وهكذا ثمة موقفان كانا غائبني تماما عن عقليتهم وهما: العنرصية املذهبية واإلكراه يف املسائل املتعلقة باللغة والدين. فال يمكن العثور عىل أي نص التيني يرد فيه أن شخصا ما تعر ض لإلساءة بسبب لون برشته. ومن ناحية أخرى لم يسع الرومان قط إىل فرض استخدام لغتهم إال يف الحقل اإلداري وقد مارسوا بأنفسهم ثنائية اللغة اليونانية-الالتينية. أما فيما يتعلق بالدين فإن تعدد اآللهة ال يستند إىل أي تمسك باستقامة املعتقد بل إنه يتكيف تكيفا جيدا مع مظاهر التجديد ومع ما يستمده من الشعائر األجنبية: كاآللهة والطقوس وحتى الخرافات... أما القيد الوحيد املفروض فكان يتمثل يف الطاعة املدنية: فإن رفض املسيحيني إقامة الشعائر اإلمرباطورية هو ما استجر االضطهاد الذي مورس ضدهم. ومن جهة أخرى لم يكن املسيحيون أفضل سلوكا من حيث احرتامهم ملعتقدات اآلخرين عندما أصبحوا بدورهم أغلبية بني السكان: ولم يكن يفصل بني مراسيم التسامح التي أصدرها قسطنطني )عام 313( وحظر مانيينتيوس إقامة الذبائح الوثنية تحت طائلة املوت )يف األول من كانون األول/ديسمرب عام 354( سوى أربعني عاما وني ف. ويف عام 529 قام اإلمرباطور جوستينوس بإلغاء كل أشكال حرية الضمري مع أن املسيحيني تابعوا يف األديرة نسخ مخطوطات املؤلفني القدامى بصرب وأناة. ولوالهم لضاع هذا الرتاث الثقايف الهائل ولضاعت معه هذه الدعوة الخالبة إىل التسامح الذي لم يكن يحمل اسما بعد وهي دعوة ندين بها للخطيب الوثني سيماك الذي طالب يف عام 384 بعد امليالد بالحق يف التفكري والعيش وفقا للتقاليد القديمة إذ يقول: spectamus«aequum est, quicquid omnes colunt, unum putari: eadem astra, commune caelum est, idem nos mundus inuoluit: quid interest qua quisque prudentia uerum requirat?»uno itinere non potest perueniri ad tam grande secretum )»مهما تنوعت عقائد كل فرد من األفراد فل م ن الصواب أن ي نظر إليها بوصفها أمرا واحدا ووحيدا : فنحن نرى النجوم ذاتها والسماء التي تخيم علينا هي واحدة والعالم الذي يحضننا هو نفسه. فال يهم أن نعرف بأي حكمة يسعى كل امرئ إىل بلوغ الحقيقة. فال يمكننا التوصل إىل حل لغز بهذا الحجم بانتهاج سبيل واحد«(. 15 ميشيل غريف 32